تاريخ المعركة 583 هـ 1187م
معركة حطين، يصفها المؤرخون بأنها مفتاح الفتوح الاسلامية،وبها تيسر فتح المقدس ،وهي بلا شك من الذكريات العظيمة في التاريخ العربي والإسلامي، تلك المعركة الخالدة التي انتصرت فيها الجيوش الإسلامية على الجيوش الصليبية الزاحفة لقتالهم عند تلال حطين قرب بحيرة طبرية في معركة فاصلة وحاسمة مهدت الطريق لوصول صلاح الدين الأيوبي بجيشه إلى القدس الشريف لينتزعها من أيدي الصليبيين الذين وضعوا كل قدراتهم العسكرية هناك ليحتفظوا بالأمل الباقي لديهم في هذه المدينة المقدسة وأرض الأنبياء ليتم تحرير بيت المقدس في نفس العام وذلك في شهر أكتوبر 1187م ، واستمر زحف الجيوش الإسلامية شمالاً لتحرير جميع مدن الساحل الفلسطيني واللبناني ليتم ذلك في العام نفسه أيضاً .
اسباب المعركة و دوافـــعها
كانت مناطق جنوب لبنان وفلسطين و القدس تحديدا قد احتلت من الصليبيين عام 1099 م، وكان الإقطاعيون الصليبيون والبارونات والفرسان قد نصبوا أنفسهم أمراء وملوك على تلك المناطق، فكان هذا على مدى قرن دعوة لتحرير البلاد من الاحتلال، وكانت غارة لصوصية شنها أحد بارونات الإفرنج البارزين، رينالد دوشاتيون السبب المباشر لأجل هجوم المسلمين، رينالد دوشاتيون كان مغامرا وقحا وسبق له أن اجتاح قبرص البيزنطية في سنة 1155 م وأعمل فيها سلبا ونهبا.
وكان قد أسر عند نور الدين قبل 16 سنة، وبعد إخلاء سبيله استقر في حصن الكرك، وعكف على نهب وسلب قوافل التجار المارّة في الجوار، لأن الحصن كان يقطع الطريق من سوريا إلى مصر وإلى الحجاز، وفي أواخر سنة 1186 م ولربما أوائل 1187 م، شن رينالد خلافا لشروط هدنة عقدت في 1180، شن غارة على قافلة متجهة من القاهرة إلى دمشق ونهب بضائعها النفيسة،.
وأسر أفرادها وزجهم في حصن الكرك، ويروى أن القافلة كانت لأخت صلاح الدين بالذات، فما كان من صلاح الدين إلا ان يطالب في الحال ملك القدس آنذاك غي دي لوزينيان بالتعويض عن الضرر والإفراج عن الأسرى ومعاقبة الناهب، ولكن الملك لم يجازف بمس تابعه القوي رينالد، فكان أن قرر صلاح الدين إعلان الحرب على مملكة القدس، إذ كان على علاقة طيبة مع إمارة طرابلس، إلا إن مرض صلاح الدين أخر بدء القتال في تلك السنة.
أحداث المعركة
لقد تمكن صلاح الدين ،بعد أن أعاد توحيد بلاد الشام ومصر تحت حكمه،وبعد أن قضى على الأعداء الداخليين والمنافسين المناوئين، وبعد أن حشد القوى الإسلامية لمواجهة الصليبيين،أن ينزل بالفرنجة ضربات قاصمة كان مفتتحها معركة حطين التاريخية،التي أعادت للمسلمين كرامتهم وأحيت فيهم الآمال،وأعادت للإسلام نضارته ووجهه المشرق،وأدت إلى تحرير القدس واسترجاع قسم كبير من الأراضي المحتلة …ولقد أعد صلاح الدين نفسه وجيشه أفضل إعداد للحرب ضد العدو .
كانت قوات صلاح الدين تضم 12 ألف فارس، و13 ألفا من المشاة وقوة كبيرة من المتطوعين ورجال الاحتياط، وفي الجانب الآخر حشد الصليبيون 22 ألفا بين فارس وراجل، والتحق بهم عدد كبير من المتطوعة حتى روي أنه زاد عددهم على الستين ألف.
يقول ابن شداد: أن الفرنج تحركوا لمقابلة العسكر الإسلامي فالتقوا بهم عند سفح جبل طبرية الغربي،وقاتلوهم حتى جن الليل فظل الفريقان شاكين السلاح حتى الصباح فالتحما ،وذلك بأرض لوبية وضيق المسلمون عليهم الخناق ،وحلت بالفرنج خسائر عظيمة…وكانت خطة المسلمين هي قطع سبل الاتصال بين الصليبين في شرق ميدان المعركة وبين الساحل حيث يمكنهم الحصول على مدد من المدن الصليبية.وسمح المسلمون للصليبيين بالتقدم إلى نحو حطين.
بينما سيطر المسلمون على سفح الجبل ومنعوهم من التقدم إلى طبرية حيث يمكنهم الحصول على الماء…وغربي بحر الجليل، وبالقرب من قرون حطين دارت المعركة وأحكم المسلمون تضييق الحصار من كل جانب على الصليبيين ،واشتد العطش بالصليبيين،واشتد ضغط المسلمين عليهم،وفر بعضهم إلى جبل حطين حيث لاحقهم المسلمون.
وزداد حرج الموقف بالنسبة للصليبيين حين أحرق المسلمون الأعشاب والشجيرات، واستولوا على عيون الماء،”مما زاد في عطش الجنود الصليبيين يضاف إلى ذلك حرارة الجو فقد كان الجو شديد الحرارة ،وحين فكر الصليبيون في العودة إلى الساحل كان ذلك من العسير جدا لبعد المسافة بينهم وبين مدن الساحل ولانتشار كمائن المسلمين،وقطع خط الرجعة عليهم”.
ولما وصل الصليبيون إلى السهل الواقع بين لوبيا وحطين شن صلاح الدين هجوما ففروا إلى تلال حطين، وبوصول الصليبيين الى هناك،كانوا قد بلغوا حالة سيئة من الانهاك ،في حين على مقربة منهم تقع قرية حطين ثم بحيرة طبرية بمائها الوفير،ولكن حال بينهم وبين الوصول الى ذلك الماء صلاح الدين وجيوشه ،فحاصرت قوات صلاح الدين التلال.
الفرار الى تلال حطين
وأقبل الليل وتوقف القتال، في اليوم التالي 4 يوليو 1187 وفي قيظ شديد ونقص في مياه الشرب قامت معركة حطين، ولف الفرسان الصليبيون الذين انتظموا على مرتفع حطين سحب الدخان المتصاعد إلى أعلى، فالتحم الجيشان على بعد ميلين من حطين، فتضعضعت صفوف الصليبيين وأهلكت سهام جيش صلاح الدين الصليبين، ثم شن هجوم بالسيوف والرماح، فقتل وجرح وأسر الكثير، فاستسلم الألوف منهم، وقام الصليبيون بمناورة، فتقدم قائد الفرسان ريمون الثالث أمير طرابلس بأمر من غي دي لوسينيان ملك القدس، وزحزح بهجومه هذا قوة يقودها تقي الدين عمر، فظن الصليبيين أنهم فتحوا ثغرة في صفوف صلاح الدين فاندفعوا فيها.
وحصر جيش صلاح الدين جزء من الجيش الصليبي فشطره إلى شطرين . يقول ابن شداد:ثم كان يوم السبت الذي بورك فيه فطلب كل فريق من الفريقين مقامه،فحملت الأطلاب الاسلامية من الجوانب وحمل القلب وصاحوا صيحة الرجل الواحد فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين،وكان حقا علينا نصر المؤمنين.وكانت خسائر الصليبيين فادحة،كما كان أسراهم في أعداد كبيرة وتقدرهم المصادر الاسلامية بثلاثين ألف أسير مابين رجل وأمرأة،كما كانت الغنائم كثيرة عظيمة.
نتائج المعركة
كانت هزيمة الصليبيين في معركة حطين هزيمة كارثية ، حيث فقدوا فيها زهرة فرسانهم ، و قتل فيها أعداد كبيرة من جنودهم و أسر فيها أعداد كبيرة أيضاً. و أصبح بيت المقدس في متناول صلاح الدين، و كان من بين الأسرى ملك بيت المقدس و معه مائة و خمسون من الفرسان و معهم أرناط (رينالد دوشاتيون) صاحب حصن الكرك و غيره من كبار قادة الصليبيين، فأحسن صلاح الدين استقبالهم ، و أمر لهم بالماء المثلج، و لم يعط أرناط (رينالد دوشاتيون)، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقى إلى أرناط (رينالد دوشاتيون).
فغضب صلاح الدين وقال: “إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني” ،يقول ابن شداد وتتفق المصادر الاسلامية معه:أن صلاح الدين كان قد نذر مرتين انأظفره الله بالابرنسأن يقتله.الأولى حين أراد المسير إلى مكة والمدينة والاعتداء على مقدسات المسلمين فيها،والثانية حين خرق الهدنة بينه وبين السلطان وتعرض لإحدى القوافل الإسلامية المارة بأرضه،وقال لأسراه:قولوا لمحمد يجيء ينصركم.ولما أظفره الله به ذكره بمقولته تلك،وقال له هاأنذا انتصر لمحمد ،ثم عرض عليه الإسلام فلم يقبل،فقتله .
اذا كان نصر حطين قد حطم طواغيت الفرنج ،فان أعظم ثمرة لذلك هو تحرير بيت المقدس واسترجاع المقدسات وتحرير القسم الأكبر من الساحل السوري التي بذلت الدماء رخيصة من أجلها وفي سبيل تحريره .
فبعد المعركة، سرعان ما احتلت قوات صلاح الدين وأخوه الملك العادل المدن الساحلية كلها تقريبا جنوبي طرابلس: عكا، بيروت، صيدا، يافا، قيسارية، عسقلان. وقطع اتصالات مملكة القدس اللاتينية مع أوروربا، كذلك استولى على أهم قلاع الصليبيين جنوبي طبرية، ما عدا الكرك وكراك دي مونريال.
وفي النصف الثاني من سبتمبر 1187 حاصرت قوات صلاح الدين القدس، ولم يكن بمقدور حاميتها الصغيرة أن تحميها من ضغط 60 ألف رجل. فاستسلمت بعد ستة ايام، وفي 2 أكتوبر 1187 م فتحت الأبواب وخفقت راية السلطان صلاح الدين الصفراء فوق القدس. في نوفمبر 1188 م استسلمت حامية الكرك ، وفي أبريل – مايو 1189 استسلمت حامية كراك دي مونريال، وكان حصن بلفور آخر حصن يسقط، ومنذ ذلك الحين صار ما كان يعرف بمملكة القدس اللاتينية بمعظمها في يد صلاح الدين، ولم يبق للصليبيين سوى مدينتي صور وطرابلس، وبضعة استحكامات صغيرة وحصن كراك دي شيفاليه(قلعة الحصن) .
وكان العفو الذي أبداه صلاح الدين سببا لتزيين تاريخ صلاح الدين في الغرب وتطري شهامته غير العادية. فقد عامل صلاح الدين القدس وسكانها معاملة أرق وأخف بكثير مما عاملهم الغزاة الصليبيون حين انتزعوا المدينة من حكم مصر قبل ذلك بمئة عام تقريبا، فلم تقع قساوات لا معنى لها ولا تدميرات.
ولكنه سمح بمغادرة القدس في غضون 40 يوما بعد دفع فدية مقدارها 10 دنانير ذهبية عن كل رجل، 5 دنانير ذهبية عن كل امرأة، ودينار واحد عن كل طفل، ولم يستطع زهاء 20 ألف فقير جمع نقود الفدية، فكان الخوف من الاستياء والغضب أجبر الفرسان الرهبان الهيكليون والاسبيتاليون الذين يملكون المال بوفرة بدفع فدية 7 آلاف فقير، وبقي 15 ألف شخص لم يستطيعو ان يفتدوا بأنفسهم فبيعوا عبيدا .
ولقد أثارت أحداث معركة حطين وما تلاها أدبا كثيرا غزيرا عبر فيها القوم عن عواطفهم تجاه هذا الحدث الذي أعاد شباب الأمة غضا وأشعرهم بالكرامة تسري في عروقهم .
أدى سقوط مملكة القدس إلى دعوة روما إلى بدء التجهيز لحملة صليبية ثالثة والتي بدأت عام 1189 م.
المراجـــــع:
“الحركة الصليبية،صفحة مشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العصور الوسطى”،د.سعيد عبد الفتاح عاشور،م الجزء الثاني ،مكتبة الانجلو المصرية،الطبعة الرابعة، ،1986م.
“العلاقات السياسية الإسلامية، وصراع القوى الدولية في العصور الوسطى 1000م-1300م”، د.فتحية النبراوي، دار التضامن للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1982م.
“وثائق الحروب الصليبية والغزو المغولي للعالم الاسلامي”،د.محمد ماهر حمادة،مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت،الطبعة الثالثة،1986م.