علم الفراسة تحليل شخصية الانسان
علم الفراسة وتحليل شخصية الأنسان، علم الفراسة يعد من أقدمِ العلوم التي عرفها الإنسان، واشتهرَ العرب منذ القدم بفراستهم، حيث كان العربي يتعرَّف على الشخص من ملامح وجهه؛ فيعرف أصل الشخص، وإلى أيِّ قبيلةٍ ينتمي، ثم يأخذ انطباعاً عامَّاً حول شخصيته، مثل: (كرمه، وشجاعته، أو بخله، وجبنه).
وعلم الفراسة كما جاء في معجم اللغة العربيَّة؛ هو مصدر (فَرَسَ)، وهي مهارة التعرُّف على بواطِن الأُمور من خلال مُلاحظة ظواهِرها، بحيث يُعتبر عِلم الفِراسة من علوم النَّفس التي تبحث طِباع الإنسان، للحكم عليه بتحليل صفاته وميِّزاته، ونقاط القوَّة والضَّعف لديه؛ من خلال قراءة ملامح وجهه.
كما يُقابِل علم الفراسة بمصطلح الفسيوجنومي (Physiognomy)، والذي يعني تقييم الشَّخص من مظهرِه الخارجي، كشكل الوجه.
وأغلب الدِّراسات تُشير إلى أنّ أوَّل ظهورٍ لعلم الفراسة كان في الصين قبل ثلاثة آلاف عام، وأطلق الصينيُّون عليه اسم (ميان شيانج)، والتي تعني في العربيَّة (علم قراءة الوجه)، وأهتمَّت شعوب كثيرة بهذا العلم؛ واستعانت به بمختلف جوانب الحياة.
كما استخدم الفراعنة علم الفراسة أيضاً، وكان استخدامهم أوراق البُردى نموذجاً لاستعانة العائلات المالكة بهذا العلم.
وعَرف اليونانيُّون علم الفراسة أيضاً، فكان الفيلسوف فيثاغورس يستخدم فراسته في مُقابلاته مع التلاميذ الجُدد؛ ثمَّ يعتمد على نتائجها في قبول الطلاب بالمدرسة، حيث وضع الفيلسوف اليوناني مجموعةً قواعد لقراءة وجوه الأشخاص.
أمَّا أرسطو فله دورٌ مُهم بعلم الفراسة، حيث رَبَط صفات الإنسان بمقدار تَشابُه ملامح وجهه مع شكل حيوانٍ مُعيّن، فيتّصف بصفاته، فمثلا قوّة الثور، وشجاعة الأسد، ومكر الثَّعلب، وغيرها من الصِّفات الكثيرة التي تجمع بين الإنسان والحيوان.
علم الفراسة وتحليل شخصية الأنسان، أمَّا أبقراط أبو الطِّب؛ فقد ركَّز على الموقع الذي يعيش به الإنسان، وربطه بتَّأثيره على صفات وشخصيَّة الفرد، حيث ظنَّ أنّ الأشخاص الذين يعيشون باتِّجاه شروق الشَّمس يمتلكون صحّةً أفضل بكثير من الأشخاص القاطنين بعيداً عنها، وكانت نظريّة الأمزجة الأربعة لأبقراط ،التي وضعت في القرْن الخامِس قبل الميلاد، مقسَّمةً إلى أربعة أنواع، بالاعتماد على نوع السَّائل الموجود في جسم الإنسان بشكلٍ أكبر عن غيره، فكان الإنسان السَّوي هو الذي يستطيع أن يُوازِن بين هذه الأمزجة، وهي:
- المزاج الدَّموي: يُعبِّر عن الإنسان الذي يغلب في باطنه الجانب الدَّموي أكثر، فيكون الإنسان الذي يغلب عليه المزاج الدَّموي متسرّعٌ وشديد الانفعال.
- المزاج السوداوي: وهو وجود دمٍ متخثّر في طحال الإنسان، ويكون هذا المزاج هو الغالب في الجسم، وهو يؤثِّر على الشخص بالاكتئاب والانطوائيَّة.
- المزاج الصَّفراوي: يعتمد على نسبة الصَّفار بالكبد، فإذا غلبت هذه الصفة على جسم الإنسان؛ يُصبح ميّالاً للحزن بشكلٍ عام، وتزداد لديه سُرعة الغضب والانفعال.
- المزاج البلغمي: يوصف بأنَّه زيادة البلغم في الحَلق، بحيث تكون كثرة البلغم في حلق الشخص دليلاً على أنَّه شخصٌ هادئ؛ يميل إلى الابتعاد عن النَّاس، أي بما معنى أنَّه منطوي على نفسه.
ونُضيف على ذلك ما بذله العُلَماء العرب من جهودٍ للوصول إلى استنتاجاتٍ مكنتهم من ربط صفات الناس من أشكال وجوه أصحابها، علم الفراسة وتحليل شخصية الأنسان، فعلى سبيل المثال؛ تختلف صفات من يملك وجهٌ رفيع عمّن يملك وجهٌ بيضوي، إضافةً للعين والحاجب، فصفات أصحابها تختلف باختلاف أشكالها، بحيث يُعتقَد أنَّ مالكي العيون الدَّاكنة يغضبون أسرع من غيرهم، والخدود المُمتلئة تدُل على الصِحّة والجمال، أمَّا بِالنِّسبة للأنف الواسع؛ فينعم صاحبه بالاستقرار والطمأنينة، ويكون أصحاب الأذُنين المُسطّحتين والعريضتين يمتلكون الحظّ الحَسَن، أمَّا إذا كان الشخص لديه شفاهٌ مُمتلئة وصغيرة فهي إشارةٌ إلى الكرم.
ويعود الاستدلال على الشخصيَّة من مظهر جسد الفرد إلى العهود القديمةِ جدَّاً، لأنَّ الإغريقيُّون والهنود، والصينيُّون القدامى، أهتموا بهذا العلم أولاً، ثُمّ أهتمّ العرب والأوروبيُّون به، ثُمَّ العالم بِأسره أصبح مُهتماً بما يُعرف بالفسيوجنومي (Physiognomy).
الفَرْق بين الفِراسة، وفسيوجنومي
يكمن الفرق بين عِلم الفسيوجنومي، وعِلم الفراسة؛ في أنَّ عِلم الفراسة أكثر شُمولاً، بحيث تتَّصف الفراسة بالدَّهاء والذَّكاء، وبمقدور المرء أن يستدلَّ على الحقيقة من المظهر، أمّا الفسيوجنومي فهي تقتصِر على الجسد فقط، بحيث يكتفي المرء بأن يحفظ أشكال أعضاء الجِسم، وما هي دلالة كُلٍّ منها.
وهناك فرقٌ كبير بين الفراسة ولُغة الجسد، فالعرب استخدموا عِلم الفراسة في معرفة الأنساب، من خلال تحليل الصِّفات الثَّابتة لكُلّ قبيلة، وكان العرب يعرفون الشَّخص الكاذب من الصّادق، والرَّجل الشُّجاع من الشخص الجبان.
إضافةً إلى أنَّ عِلم الفراسة وتحليل شخصية الأنسان، يبحث بالأشكال الثَّابتة لأعضاء الجِسم؛ كشكل العين أو الأنف…الخ، أمّا لُغة الجَسَد فهي تدرُس انفعالات الجسد وتبحث فيها، بحيث تكون هذه الانفعالات مِرآةً للحقيقة التي يُحاول الإنسان جاهداً إخفاءها، كما أنَّ عِلم الفراسة يتقدَّم على لُغة الجَسَد؛ كونه أكثر عموميَّة، لكنّهما عِلمان مُتّصلتان يُفضيان إلى بعضهما البعض في النِّهاية.
عِلم النَّفس الحديث، وموقفه من علم الفِراسة.
علم النَّفس الحديث رفض فكرة الفراسة، واعتبرها عِلماً زائفاً، ووصفها بأنَّها عبارة عن طُرُق شعبيَّة لِتحليل شخصيَّات الأفراد، مثل قراءة الكف والأبراج، بحيث أثبتت الدِّراسات والأبحاث الحديثة أنّ صفات الإنسان السُّلوكيَّة، ومزاجاته المُختلفة مُرتبطة ارتباطاً ضعيفاً بصفات الجسد، ولكن هُناك مدارسٌ عديدة تُدرِّس علم النَّفس، وهي تهتمّ اهتماماً كبيراً بعلم الفراسة، وعلم الفراسة سواء كان علماً مُعترفاً به أم لا، فهو يمتلك تاريخاً عريقاً في مُجتمعات كثيرة.
أمَّا علم الفراسة في الإسلام تكمن بحسب اعتقاد العلماء بأنَّ الله عزَّ وجل وضع في قلب الإنسان المؤمن نوراً، يُعطيها لمن يشاء من عباده، فيَجعله يُميّز الحقَّ من الباطل، ويجعله قادراً على كشف نفاقِ من حوله، فيستمدُّ المؤمن نوره من الله، ولا تُخطئ فِراسته.
ومن قوله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)، (الأنعام – آية 122)، فهذه الآية الكريمة تُفسِّر أنَّ قلب الإنسان كان ميِّتاً، لكنَّ الله أحياه ببثّ النُّور فيه.
ثُمَّ قال تعالى: (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)، (الأنعام – آية 122)، يقصد أنَّ الإنسان كان ميِّتاً بسبب جهله، لكنَّ الله وهبهُ الحياة في الإيمان والعِلم.
إضافةً إلى أنَّ بعض عُلماء علم الفِراسة بيَّنوا أنَّ الفراسة هي أفكاراً تخطر ببال المرء دون وجود مُعارضٍ لها، وإن تمّ مُعارضة هذه الأفكار، فهي ليست فِراسة؛ إنّما هي حديث نفس، كما ربط أحد العلماء علم الفراسة بالإيمان، مبيِّناً أنّ بينهما رابطٌ قوي، فلا توجد الفراسة إلا أذا وجد الإيمان، لهذا قيل: (الذي غضَّ بصره عن المحارِم، مُمسكاً نفسه عن الشَّهوات، وعَمُر باطِنه في المراقبة، وظاهره في اتَّباع السُنَّة، متعوَّدٌ أكل الحلال، لم تُخطئ فِراسته).
ثُمَّ ورد عن عبد الله بن مَسعود (ر) بأنّه قال: (إنّ أفرس النَّاس ثلاثةٌ: العزيز حين تفرّس في يوسف، ثُمَّ قال لامرأته: أكرمي مثواه، والمرأة التي رأت موسى فقالت لأبيها: يا أبتِ استأجره، وأبو بكرٍ حين استخلف عُمر).
كما كان أبو بكرٍ الصدِّيق الأعظَم فِراسةً في الأمَّة الإسلاميَّة، ويتبعه عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما.
لعلم الفراسة فروعٌ كثيرة، سنذكر بعضها
- العيافة: يُقصد بها تحليل آثار الأقدام على الأرض، واستنتاج معلومات عن الشَّخص؛ مثل (جنسه، عمره، وزنه، طوله، صحَّته) وغيرها، وكانت تُستخدم في الصيد، من أجل تتبُّع الأثر الذي تركته الفريسة.
- القيافة، أو ( فراسة الإنسان ): وهي تعتمد على معرفة الخصائص السلوكيَّة والنفسيَّة للإنسان، من خلال النَّظر إلى أعضائه؛ كالوجه وما يحوي كلّ جزءٍ فيه، مثل (العيون، الأنف، الفم، الحواجب)، إضافةً إلى ذلك مُلاحظة الخصائص العامَّة للجسم، كالأذرع، الساقين، الأقدام، الظَّهر، الكتف..الخ من الأعضاء.
- الرّيافة، أو (البحث عن الماء)، والمقصود بِها معرفة وضع المياه الجوفيَّة، من خلال شَمِّ التُّربة، أو النَّظر للنباتات ومدى نموِّها ومقدار حجمها، أو يعتمد على مُلاحظة سلوك الحيوانات في المنطقة.
- الاختلاج، أو (توقُّع المستقبل)، وهي التنبؤ بِما سيحدث مع الإنسان بعد دراسة أعضائه، ولكنَّ الإسلام نهى عنها باعتبارها شيءٌ من التنجيم.
- فراسة الجبال، وهي التوقُّع بمعرفة مكان الكنوز الدفينة بها.
- فراسة الغيوم والرِّياح، وتعتمد على توقُّع هطول الأمطار، وكميَّتها.
- فراسة الحيوان، وتتَّصف بمعرفة طباع الحيوانات، وأهم صفاتها المحمودة والمذمومة.
وهُناك أنواعٌ أخرى من الفراسة التي اشتهر بِها العرب على مرّ التاريخ، وتُعرف الفراسة في اللغة العربيَّة بأنَّها مهارة التعرُّف على بواطن الأمور من ظواهرها؛ من خلال التأمُّل بالشَّيء والبصر به, ويُقال إنَّه لفِارسٍ إذا كان عالماً به، أو تفرَّس بالشيء، أي توسَّمه.
الأمور التي تدُل على الفِراسة
- الأمر الأوَّل: وهو جودة الذِّهن لدى المُتَفرِّس .
- الأمر الثاني: هو ظهور علامات وأدلَّة بالمُتفرِّس، وهما أمران ظنيَّان يُدركها الشَّخص بشعوره، ولا يُمكن الأخذ بها، كونها لا تمتلك الدَّلائل والبراهين للإثبات، ولكن لا بأس بالاستفادة من الفراسة بمجال الترجيح بين الأمور المُتعارضة، والفِراسة الإيمانيَّة هي التفريق بين الحقّ والباطل، الكاذب والصَّادق، كالإلهام.